فصل: من لطائف القشيري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الفرَّاءُ: إن الوقفَ لا يتم على {سَوَاءً} فجعل الواو اسم ليس، و{سَوَاءً} خبرها- كما قال الجمهور- و{أمَّةٌ} مرتفعة بـ {سَوَاءً} ارتفاع الفاعل، أي: ليس أهل الكتاب مستويًا، من أهل الكتاب أمة قائمة، موصوفة بما ذُكِر، وأمة كافرة، فبهذا التقدير يصح به المعنى الذي نحا إليه أبو عُبَيْدَةَ.
وقال الفرَّاءُ: إن الوقفَ لا يتم على {سَوَاءً} فجعل الواو اسم ليس، و{سَوَاءً} خبرها- كما قال الجمهور- و{أمَّةٌ} مرتفعة بـ {سَوَاءً} ارتفاع الفاعل، أي: ليس أهل الكتاب مستويًا، من أهل الكتاب أمة قائمة، موصوفة بما ذُكِر، وأمة كافرة، فحُذِفَت هذه الجملةُ المعادلة؛ لدلالة القسم الأول عليها؛ فإن مذهب العرب إذا ذُكِرَ أحد الضدين، أغْنَى عن ذِكر الضِّدِّ الآخَر.
قال أبو ذُؤيب: [الطويل]
دَعَانِي إلَيْهَا الْقَلْبُ إنِّي لأمْرِهَا ** سَمِيعٌ، فَمَا أدْرِي أرُشْدٌ طِلاَبُها؟

والتقدير: أم غي، فحذف الغَيّ؛ لدلالة ضِدِّه عليه.
ومثله قول الآخر: [الطويل]
أرَاكَ، فَمَا أدْرِي أهَمٌّ هَمَمْتُهُ ** وَذُو الْهَمِّ قِدْمًا خَاشِعٌ مُتَضَائِلُ

أي أهم هممته أم غيره؟ فحذف؛ للدلالة، وهو كثير.
قال الفراء: لأن المساواة تقتضي شيئين، كقوله: {سَوَاءً العاكف فِيهِ والباد} [الحج: 25]، وقوله: {سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} [الجاثية: 21].
وقد ضُعِّفَ قَوْلُ الفراء من حيث الحذف، ومن حيث وَضع الظاهر مَوْضِعَ المُضْمَر؛ إذ الأصل: منهم أمة قائمة، فوضع أهل الكتاب موضع المضمر.
والوجه أن يكون {لَيْسُواْ سَوَاءً} جملة تامة، وقوله: {مِّنْ أَهْلِ الكتاب أُمَّةٌ} جملة برأسها، وقوله: {يَتْلُونَ} جملة أخرى، مبينة لعدم استوائهم- كما جاءت الجملة من قوله: {تَأْمُرُونَ بالمعروف} [آل عمران: 110] مبيِّنة للخيريَّةِ.
ويجوز أن يكون {يَتْلُونَ} في محل رفع، صفة لـ {أمَّةٌ}.
ويجوز أن يكون حالًا من {أمَّةٌ}؛ لتخصُّصِها بالنعت.
ويجوز أن يكون حالًا من الضمير في {قَائِمة}، وعلى كونها حالًا من {أمَّةٌ} يكون العامل فيها الاستقرار الذي تضمنه الجار.
ويجوز أن يكون حالًا من الضميرِ المستكن في هذا الجار، لوقوعه خبرًا لـ {أمَّة}.
قوله: {آنَاءَ الليل} ظرف لـ {يتلون}، والآناء: الساعات، واحده: أنَى- بفتح الهمزة والنون، بزنة عصا- أو إني بكسر الهمزة، وفتح النون، بزنة مِعًى، أو أنْي- بالفتح والسكون بزنة ظَبْي، أو إنْي- بالكسر والسكون، بزنة نِحْي- أو إنْو- بالكسر والسكون مع الواو، بزنة جرو- فالهمزة في {آناء} منقلبة عن ياء، على الأقوال الأربعة- كرداء- وعن واو على القول الأخير، نحو كساء.
قال القفال: كأن التأنِّيَ مأخوذ منه، لأنه انتظار الساعات والأوقات، وفي الحديث أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي أخر المجيء إلى الجمعة-: آذيت وآنيت أي: دافعت الأوقات. وستأتي بقية هذه المادة في مواضعها.
ولا يجوز أن يكون {آناء الليل} ظرفًا لِـ {قَائِمَةٌ}.
قال أبو البقاءِ: لأن {قَائِمَةٌ} قد وُصِفَتْ، فلا يجوز أن تعمل فيما بعد الصفة، وهذا على تقدير أن يكون {يَتْلُونَ} وَصْفًا لِـ {قائمة}، وفيه نظر؛ لأن المعنَى ليس على جَعْل هذه الجملةِ صفة لما قبلها، بل على الاستئناف للبيان المتقدم، وعلى تقدير جَعْلها صفة لما قبلها، فهي صفة لـ {أمَّةٌ}، لا لِـ {قَائِمَةٌ}؛ لأن الصفة لا توصَف إلا أن يكون معنى الصفة الثانية لائقًا بما قبلها، نحو: مررت برجل ناطقٍ فصيح، ففصيح صفة لناطق؛ لأن معناه لائق به، وبعضهم يجعله وَصْفًا لرجل.
وإنما المانع من تعلُّق هذا الظرف بـ {قَائِمَةٌ} ما ذكرناه من استئناف جملته.
قوله: {وَهُمْ يَسْجُدُونَ} يجوز أن يكون حالًا من فاعل {يَتْلُونَ} أي: يَتْلُونَ القرآن، وهم ساجدون، وهذا قد يكون في شريعتهم- مشروعية التلاوة في السجود- بخلاف شرعنا، قال عليه السلام «ألاَ إنِّي نُهِيتُ أن أقرأ القُرآنَ رَاكِعًا، أو سَاجِدًا»، وبهذا يرجح قول من يقول إنهم غير أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
ويجوز أن يكون حالًا من الضمير في {قَائِمَةٌ} قاله أبو البقاء.
وفيه ضعف؛ للاستئناف المذكور. اهـ. بتصرف يسير.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري:

كما غَايَرَ بين النور والظلام مغايرة تضاد فكذلك أثبت منافاة بين أحوال الأولياء وأحوال الأعداء، ومتى يستوي الضياء والظلمة، واليقين والتُّهمة، والوصلة والفرقة، والبعاد والألفة، والمعتكف على البِساط والمنصرف عن الباب، والمتصف بالولاء والمنحرف عن الوفاء؟ هيهات يلتقيان! فكيف يتفقان أو يستويان؟! اهـ.

.من فوائد ابن عطية:

قال رحمه الله:
لما مضت الضمائر في الكفر والقتل والعصيان والاعتداء عامة في جميع أهل الكتاب، عقب ذلك بتخصيص الذين هم على خير وإيمان، وذلك أن أهل الكتاب لم يزل فيهم من هو على استقامة، فمنهم من مات قبل أن يدرك الشرائع فذلك من الصالحين، ومنهم من أدرك الإسلام فدخل فيه.
قال القاضي أبو محمد: ويعترض هذا النظر أن جميع اليهود على عوج من وقت عيسى، وتجيء الآية إشارة إلى من أسلم فقط، أو يكون اليهود في معنى الأمة القائمة إلى وقت عيسى، ثم ينتقل الحكم في النصارى، ولفظ {أهل الكتاب} يعم الجميع، والضمير في {ليسوا} لمن تقدم ذكره في قوله: {منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون} [آل عمران: 110] وما قال أبو عبيدة من أن الآية نظيرة قول العرب أكلوني البراغيث خطأ مردود، وكذلك أيضا ما حكي عن الفراء أن {أمة} مرتفعة بـ {سواء} على أنها فاعلة كأنه قال: لا تستوي أمة كذا وإن في الآخر الكلام محذوفًا معادلًا تقديره وأمة كافرة، فأغنى القسم الأول عن ذكرها ودل عليه كما قال أبو ذؤيب:
عَصَيْتُ إليْها الْقَلْبَ إنّي لأَمْرِها ** سَمِيعٌ فما أدري أَرُشْدٌ طِلابُها؟

المعنى أم غيّ، فاقتصر لدلالة ما ذكر عليه.
قال القاضي أبو محمد: وإنما الوجه أن الضمير في {ليسوا} يراد به من تقدم ذكره، و{سواء} خبر ليس، و{من أهل الكتاب} مجرور فيه خبر مقدم، و{أمة} رفع بالابتداء قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد ومن أسلم من اليهود، معهم، قال الكفار من أحبار اليهود ما آمن بمحمد إلا شرارنا ولو كانوا خيارًا ما تركوا دين آبائهم، فأنزل الله تعالى في ذلك {ليسوا سواء} الآية، وقال مثله قتادة وابن جريج.
قال القاضي أبو محمد: وهو أصح التأويلات، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: معنى الآية: ليس اليهود وأمة محمد سواء، وقاله السدي.
قال القاضي أبو محمد: فمن حيث تقدم ذكر هذه الآمة في قوله: {كنتم خير أمة} [آل عمران: 110] وذكر أيضا اليهود قال الله لنبيه {ليسوا سواء} و{الكتاب} على هذا جنس كتب الله وليس بالمعهود من التوراة والإنجيل فقط، والمعنى: {من أهل الكتاب} وهم أهل القرآن أمة قائمة: واختلف عبارة المفسرين في قوله: {قائمة} فقال مجاهد: معناه عادلة، وقال قتادة والربيع وابن عباس: معناه قائمة على كتاب الله وحدوده مهتدية، وقال السدي: القائمة القانتة المطيعة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كله يرجع إلى معنى واحد من الاعتدال على أمر الله، ومنه قيل للدنانير أو الدراهم الوازنة قائمة وهذه الآية تحتمل هذا المعنى وأن لا تنظر اللفظة إلى هيئة الأشخاص وقت تلاوة آيات الله، ويحتمل أن يراد بـ {قائمة} وصف حال التالين في {آناء الليل}، ومن كانت هذه حاله فلا محالة أنه معتدل على أمر الله، وهذه الآية في هذين الاحتمالين مثل ما تقدم في قوله: {إلا ما دمت عليه قائمًا} [آل عمران: 75] و{يتلون} معناه: يسردون، و{آيات الله} في هذه الآية هي كتبه، والآناء: الساعات واحدها إني بكسر الهمزة وسكون النون، ويقال فيه أني بفتح الهمزة، ويقال إنَى بكسر الهمزة وفتح النون والقصر، ويقال فيه أنى بفتح الهمزة ويقال إِنْو بكسر الهمزة وسكون النون وبواو مضمومة ومنه قول الهذيلي: [البسيط].
حُلْوٌ وَمُرٌّ كَعَطْفِ الْقدْحِ مِرَّتهُ ** في كلُّ إنيٍ قضاه الليل ينتعل

وحكم هذه الآية لا يتفق في شخص بأن يكون كل واحد يصلي جميع ساعات الليل وإنما يقوم هذا الحكم من جماعة الأمة، إذا بعض الناس يقوم أول الليل، وبعضهم آخره، وبعضهم بعد هجعة ثم يعود إلى نومه، فيأتي من مجموع ذلك في المدن والجماعات عبارة {آناء الليل} بالقيام، وهكذا كان صدر هذه الأمة، وعرف الناس القيام في أول الثلث الآخر من الليل أو قبله بشيء، وحينئذ كان يقوم الأكثر، والقيام طول الليل قليل وقد كان في الصالحين من يلتزمه، وقد ذكر الله تعالى القصد من ذلك في سورة المزمل، وقيام الليل لقراءة العلم المبتغى به وجه الله داخل في هذه الآية، وهو أفضل من التنفل لمن يرجى انتفاع المسلمين بعلمه، وأما عبارة المفسرين في {آناء الليل}، فقال الربيع وقتادة وغيرهما: {آناء الليل} ساعات الليل، وقال عبد الله بن كثير: سمعنا العرب تقول: {آناء الليل} ساعات الليل، وقال السدي: {آناء الليل} جوف الليل.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قلق، أما أن جوف الليل جزء من الآناء، وقال ابن مسعود: نزلت هذه الآية بسبب أن النبي صلى الله عليه وسلم احتبس عنا ليلة عن صلاة العشاء وكان عند بعض نسائه فلم يأت حتى مضى ليل، فجاء ومنا المصلي ومنا المضطجع، فقال: أبشروا فإنه ليس أحد من أهل الكتاب يصلي هذه الصلاة، فأنزل الله تعالى: {ليسوا سواء} الآية، فالمراد بقوله: {يتلون آيات الله آناء الليل} صلاة العشاء، وروى سفيان الثوري عن منصور أنه قال: بلغني أن هذه الآية نزلت في المصلين بين العشاءين وقوله تعالى: {وهم يسجدون} ذهب بعض الناس إلى أن السجود هنا عبارة عن الصلاة، سماها بجزء شريف منها كما تسمى في كثير من المواضع ركوعًا، فهي على هذا جملة في موضع الحال، كأنه قال: يتلون آيات الله آناء الليل مصلين، وذهب الطبري وغيره إلى أنها جملة مقطوعة من الكلام الأول، أخبر عنهم أنهم أيضا أهل سجود.
قال القاضي أبو محمد: ويحسن هذا من جهة أن التلاوة آناء الليل قد يعتقد السامع أن ذلك في غير الصلاة، وأيضا فالقيام في قراءة العلم يخرج من الآية على التأويل الأول، وثبت فيها على هذا الثاني فـ {هم يسجدون} على هذا نعت عدد بواو العطف، كما تقول: جاءني زيد الكريم والعاقل. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر}:

قال الفخر:
الصفة الرابعة: قوله: {يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر} واعلم أن اليهود كانوا أيضا يقومون في الليالي للتهجد وقراءة التوراة، فلما مدح المؤمنين بالتهجد وقراءة القرآن أردف ذلك بقوله: {يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر} وقد بينا أن الإيمان بالله يستلزم الإيمان بجميع أنبيائه ورسله والإيمان باليوم الآخر يستلزم الحذر من المعاصي، وهؤلاء اليهود ينكرون أنبياء الله ولا يحترزون عن معاصي الله، فلم يحصل لهم الإيمان بالمبدأ والمعاد.
واعلم أن كمال الإنسان أن يعرف الحق لذاته، والخير لأجل العمل به، وأفضل الأعمال الصلاة وأفضل الأذكار ذكر الله، وأفضل المعارف معرفة المبدأ ومعرفة المعاد، فقوله: {يَتْلُونَ ءايات الله ءَانَاء الليل وَهُمْ يَسْجُدُونَ} إشارة إلى الأعمال الصالحة الصادرة عنهم وقوله: {يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر} إشارة إلى فضل المعارف الحاصلة في قلوبهم فكان هذا إشارة إلى كمال حالهم في القوة العملية وفي القوة النظرية، وذلك أكمل أحوال الإنسان، وهي المرتبة التي يقال لها: إنها آخر درجات الإنسانية وأول درجات الملكية. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر وَيَأْمُرُونَ بالمعروف وَيَنْهَوْنَ عَنِ المنكر} إمَّا استئناف، وإما أحوال، وجيء بالجملة الأولى اسميةً؛ دلالةً على الاستقرار، وصُدِّرَتْ بضميرٍ، وثَنَّى عليه جملة فعلية، ليتكرر الضمير، فيزداد بتكراره توكيدًا.
وجيء بالخبر مضارعًا؛ دلالةً على تجدُّدِ السجود في كل وقت، وكذلك جيء بالجُمَل التي بعدها أفعالًا مضارعة.
ويحتمل أن يكون {يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر} خبرًا ثانيًا، لقوله: {هُمْ}، ولذلك ترك العاطف ولو ذكره لكان جائزًا. اهـ..

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَيَأْمُرُونَ بالمعروف وَيَنْهَوْنَ عَنِ المنكر}:

قال الفخر:
الصفة الخامسة: قوله: {وَيَأْمُرُونَ بالمعروف}.
الصفة السادسة: قوله: {وَيَنْهَوْنَ عَنِ المنكر} واعلم أن الغاية القصوى في الكمال أن يكون تامًا وفوق التمام فكون الإنسان تامًا ليس إلا في كمال قوته العملية والنظرية وقد تقدم ذكره، وكونه فوق التمام أن يسعى في تكميل الناقصين، وذلك بطريقين، إما بإرشادهم إلى ما ينبغي وهو الأمر بالمعروف، أو بمنعهم عما لا ينبغي وهو النهي عن المنكر، قال ابن عباس رضي الله عنهما: {يَأْمُرُونَ بالمعروف} أي بتوحيد الله وبنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم {وَيَنْهَوْنَ عَنِ المنكر} أي ينهون عن الشرك بالله، وعن إنكار نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، واعلم أن لفظ المعروف والمنكر مطلق فلم يجز تخصيصه بغير دليل، فهو يتناول كل معروف وكل منكر. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {ويسارعون في الخيرات}:

قال الفخر:
الصفة السابعة: قوله: {ويسارعون في الخيرات} وفيه وجهان:
أحدهما: أنهم يتبادرون إليها خوف الفوت بالموت، والآخر: يعملونها غير متثاقلين.
فإن قيل: أليس أن العجلة مذمومة قال عليه الصلاة والسلام: «العجلة من الشيطان والتأني من الرحمن» فما الفرق بين السرعة وبين العجلة؟ قلنا: السرعة مخصوصة بأن يقدم ما ينبغي تقديمه، والعجلة مخصوصة بأن يقدم ما لا ينبغي تقديمه، فالمسارعة مخصوصة بفرط الرغبة فيما يتعلق بالدين، لأن من رغب في الأمر، آثر الفور على التراخي، قال تعالى: {وَسَارِعُواْ إلى مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ} [آل عمران: 133] وأيضا العجلة ليست مذمومة على الإطلاق بدليل قوله تعالى: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبّ لترضى} [طه: 84]. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصالحين}:

قال الفخر:
الصفة الثامنة: قوله: {وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصالحين} والمعنى وأولئك الموصوفون بما وصفوا به من جملة الصالحين الذين صلحت أحوالهم عند الله تعالى ورضيهم، واعلم أن الوصف بذلك غاية المدح ويدل عليه القرآن والمعقول، أما القرآن، فهو أن الله تعالى مدح بهذا الوصف أكابر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقال: بعد ذكر إسماعيل وإدريس وذي الكفل وغيرهم {وأدخلناهم في رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مّنَ الصالحين} [الأنبياء: 86] وذكر حكاية عن سليمان عليه السلام أنه قال: {وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ في عِبَادِكَ الصالحين} [النمل: 19] وقال: {فَإِنَّ الله هُوَ مولاه وَجِبْرِيلُ وصالح الْمُؤْمِنِينَ} [التحريم: 4] وأما المعقول فهو أن الصلاح ضد الفساد، وكل ما لا ينبغي أن يكون فهو فساد، سواء كان ذلك في العقائد، أو في الأعمال، فإذا كان كل ما حصل من باب ما ينبغي أن يكون، فقد حصل الصلاح، فكان الصلاح دإلا على أكمل الدرجات. اهـ.